على نغمات المزمار والطبل البلدى احتفل عدد من المريدين، أمس، بالليلة الختامية لمولد السيدة زينب، حفيدة رسول الله، وشقيقة الإمامين الحسن والحسين.. وفى حين ساد الزحام الشوارع المحيطة بالمسجد، اضطرت إدارة مترو الأنفاق إلى فتح جميع أبواب محطة مترو السيدة زينب فى محاولة لتخفيف الضغط على البوابة الوحيدة للمترو، وكان الوجود الأمنى ملحوظاً بشكل كبير من خلال عربات النجدة، ومرور الضباط باستمرار بين رواد المولد، بالإضافة إلى وجود سيارات إسعاف ومطافئ.
"وجيدة": دايماً بآجى من أسيوط بقالى 30 سنة.. و"فايق": متعود أشارك المحتفلين فرحتهم علشان أخرج من ضغط الشغل
وفى الطريق إلى المسجد، افترش الباعة الأرصفة عارضين بضائعهم بأقل سعر ممكن، حتى يتمكنوا من جذب أكبر عدد من المواطنين.
«بنرخص الأسعار ومفيش حد بيشترى، ولا حتى فيه إقبال، الشارع فاضى، وربنا ييسر الحال والدنيا تتظبط، عايزين نروّح مجبورين»، قالها محمد وليد، 39 سنة، بائع، مشيراً إلى أنه جاء من مدينة طنطا بمحافظة الغربية، لبيع «الحمص والحلاوة»: «قرَّب قرَّب.. حطمنا الأسعار وجشع التجار، وبنبيع حمص الفلاح بـ10 جنيه بس يا بلاش»، جذب الثلاثينى بصوته الممزوج ببعض عبارات الغناء مريدى آل البيت، فتجمع حوله عدد كبير من المواطنين متسائلين: «إزاى الكيلو بعشرة جنيه يعنى، الناس جوه بتبيعه بـ20 وبـ25؟»، ليبادرهم بالرد: «يا جماعة أنا تاجر جملة، والكيلو الصابح بيقف علىّ بـ15 جنيه، فأنا كل الحكاية عندى مزيج من الصابح وعندى بواقى السنة اللى فاتت وكل اللى بيبيعوا حمص بيخلطوه كده فعلاً، عادى يعنى، بس أنا عايز أبيع أكتر كمية ممكنة علشان الخزين بقاله كتير عندى»، يقول «وليد» إنه أقدم على تلك الخطوة رغبة منه فى مساعدة المواطنين والتخفيف عنهم: «ما دام فى إيدى أساعد الناس وأخلى الكل يشترى».
أما أحمد فضل، 34 سنة، بائع، فيقول: «مفيش حد بيشترى رغم إن الأسعار السنة دى أقل من السنة اللى فاتت، الحمص بـ20 الكيلو، والحلاوة الكيس بـ5، والسودانى بعشرين، والمشبك، بـ10 جنيه، والهريسة والبسبوسة كله بـ20، ده طبعاً أقل من أسعار السنة اللى فاتت، لكن مش فاهم فيه إيه، الناس بتسأل عن سعر البضاعة وبتمشى من غير شراء، شكلنا هنرجع بيها تانى».
وعن أماكن شراء بضاعته يقول «فضل»: «كل حاجة وليها مكان بنجيبها منه، الحمص من طنطا، والمشبك من دمياط والحلويات من القليوبية، وكل حاجة بنجيبها بتكون قسط، نبيع اللى نبيعه والباقى بنرجعه، بس طبعاً بيقل فى سعره».
بائعو المولد مفيش بيع والحال واقف ورخصنا الأسعار ومفيش فايدة.. كده هنرجع بيوتنا بالبضاعة كلها تانى
اقترب موعد رفع أذان المغرب، ومعه بدأ خادمو الخيام تجهيزها لاستقبال المصلين بعد الانتهاء من الصلاة، بوجبات الفول النابت والعيش، والبرتقال.. داخل إحدى الخيام، جلست عجوز خمسينية، أمام إناء كبير الحجم يستقر على النار، تقلب محتوياته بهدوء لإعداد وجبة «نابت» ساخنة وشهية لرواد المولد، وبعد فترة من التقليب المستمر، جاء رجل ستينى، مسرعاً إليها قائلاً: «زودى يا وجيدة النابت، الحبايب كترت»، لتسرع السيدة فى وضع كمية كبيرة من الماء فى الإناء رغبة منها فى زيادة كمية «النابت»، وتقول: «اسمى وجيدة إبراهيم من أسيوط، متعودة دايماً آجى للست بقالى 30 سنة على ده الحال، كل همى أخدم حبايبها وأعمل لهم نابت يرم عضمهم، ويقويهم على الذكر».
عقب انتهاء المصلين من صلاة المغرب، بدأوا الاحتشاد أمام باب مسجد السيدة زينب الرئيسى، المزيَّن بالأنوار التى ترقص فرحاً بمولد السيدة كما وصفها أحد مريدى آل البيت، وفى أحد الشوارع الفرعية وقف مجموعة من الممثلين منتظرين قدوم الفنان فايق عزب، حتى يتجمعوا فى إحدى الخيام التى خصصها لهم أحد نواب مجلس الشعب لتناول وجبة أعدت لهم خصيصاً، بسعادة بالغة وصف محمود فارس، أحد الفنانين، مشاعره: «بلاقى نفسى هنا ومتعود بقالى سنين أزور السيدة، علشان أبويا عودنى أزورها من صغرى ووصانى أكرر الزيارة، وكمان لأن أصلى من الريف، فعلشان كده بحب الروحانيات شوية، وبلاقى نفسى هنا». ويتابع: «بافرح جداً لما ألاقى مواعيد شغلى تسمح إنى آجى المولد، وبافرّح أولادى بلعب المولد، اللى مبتكونش موجودة فى مكان تانى غير الموالد، علشان كده بيكون لها بريق خاص»، ويقول الفنان فايق عزب: «جيت هنا تلبية لوصية النبى بمودة آل بيته، ومتعود آجى بشكل مستمر وأشارك المحتفلين فرحتهم، وبرضه بافرح معاهم بيوم جميل بيخرجنى من ضغط الشغل»، أما الفنان محمد فاروق، الشهير بـ«شيبة»، فقد خالفهم فى القول بأنه لا يداوم على زيارة الموالد ولكنه قرر هذا العام المشاركة لأول مرة، رغبة منه فى «تغيير الجو»، فيما أكدت الفنانة وفاء السيد أنها تأتى باستمرار إلى السيدة زينب فى مولدها: «المولد جميل وده يوم روحانى بحبه من صغرى، ودى مش أول مرة أروح مولد، قبل كده رحت مولد السيد البدوى»، وتضيف: «أكلت مكرونة وهريسة، واشتريت حمص وحلاوة والأسعار جميلة ورخيصة عن قبل كده، ولو ظروفى سمحت السنة الجاية هاجى برضه وأزور السيدة لأنى باتبارك بها».
الدخول إلى مسجد السيدة زينب، كاد أن يكون مستحيلاً مع دقات الثامنة والنصف مساءً، حيث وصل الاحتشاد إلى ذروته، ومنع عدداً كبيراً من المريدين من الدخول، يقول سيف رضا إنه جاء خصيصاً من الفيوم لزيارة ضريح السيدة زينب، لكنه لم يستطع الدخول: «هستنى لآخر الليل يمكن أقدر أدخل وأزور ستنا الغالية». بجوار المراجيح تجمع الأطفال والكبار، من أجل الركوب والترفيه، وفى مشهد لافت للنظر، حمل رجل ابنه الصغير على ظهره، واعتلى إحدى الأرجوحات: «ابنى جاى مخصوص علشان يركب المرجيحة، فخفت عليه قلت أشيله أمرجحه بنفسى، وهبقى مطمن أكتر وهو على ضهرى». فى الاتجاه المقابل للمسجد افترش الباعة الرصيف بلعب الأطفال، منادين بأعلى صوت لهم: «اللعبة بعشرة جنيه»، فيتجمع حولهم الأطفال لشراء «لعب المولد».
أمام المسرح المخصص للمبتهل الشيخ محمود التهامى تجمع الآلاف من المواطنين من الساعة التاسعة، قبل صعوده إلى المسرح بأكثر من ساعة ونصف الساعة، ينتظرون التمايل على نغماته، وما إن صعد إلى المسرح حتى قام جميع من بالمكان بالرقص ذكراً أمام المسرح، متزاحمين أمامه مباشرة، ما جعل المرور من أمام المسرح يبدو مستحيلاً، ويقول أحد المواطنين إنه جاء خصيصاً من أجل رؤية «التهامى» والاستمتاع بأناشيده الدينية، التى استمرت حتى الساعات الأولى من الصباح.
تعليقات الفيسبوك