في عام 1969 فاجأ الأديب الكبير ثروت أباظة الوسط الأدبي والثقافي بصدور روايته "شيء من الخوف"، فهذا العمل الأدبي يحكي الكاتب عن "فؤادة" تلك الفتاة الصغيرة التي تحب عتريس الفتى البريء النقي لكن عتريس ينقلب إلى وحش ويعيش على القتل والنهب ويقرر أن يعاقب البلدة ذات يوم بأن يمنع عنها الماء، فلا يجد من يقف له سوى فؤادة، حبه القديم ونقطة ضعفه الوحيدة، ولما لم يستطع أن يقتلها قرر أن يمتلكها عن طريق الزواج، وترفض فؤادة أن تتزوجه فيغصب عتريس أهلها على الوكالة وتنتقل إلى العيش مع عتريس، وتقاوم البلدة محاولات عتريس أن يعيش مع فؤادة بالقوة وترفض فؤادة الاستسلام لعتريس حتى الموت.
وتحمس المخرج الكبير حسين كمال للرواية فقرر تحويلها إلى فيلم سينمائي يحمل الاسم نفسه، ويعتبر فيلم "شيء من الخوف" هو عمل فني متكامل اجتمعت به الأشكال الفنية المختلفة من موسيقى وأداء الممثلين والأشعار وكتابة السيناريو والحوار والصورة للمخرج المميز حسين كمال.
لعب دور البطولة بشخصية "فؤادة" الفنانة شادية وجسدته ببراعة شديدة ولكن المفارقة الحقيقة هو اختيار حسين كمال لشادية من البداية، تلك الممثلة التي اشتهرت بأداء أدوار المرأة الجميلة الحالمة والبريئة أحيانا، نجدها شخصية قوية تقف أمام مجرم بحجم عتريس وجسّده الفنان محمود مرسي.
استطاع الفنان محمود مرسي أن يتميز في تقديم دور الجد بالفيلم ومن ثم دور الحفيد "عتريس" فاعتمد محمود مرسي في تجسيده للدور على انفعالات الوجه ونظرات الأعين دون أي افتعال لخلق حالة المجرم في استخدام جسده، وشخصية الشيخ التي قام بأدائها الفنان يحيي شاهين والتي كانت صوت الحق في أحداث الفيلم جسدها شاهين ببراعة شديدة وبمنتهى الهدوء الذي يدل على امتلاك يحي شاهين للشخصية بجوانبها الحقيقية.
تميز الفيلم بموسيقاه وأغانيه للثنائي الشهير بتلك الفترة وهما الموسيقار بليغ حمدي والشاعر عبدالرحمن الأبنودي، اللذان من خلال عملهما "بليغ حمدي الألحان والموسيقى التصويرية والأبنودي كتابة الأغاني ومشاركته في الحوار" أن يجعلا الفيلم في إطار الملحمة الحقيقية وبالطبع ساهم في ذلك صوت شادية المميز والحقيقي الذي عبر عن حالة الاضطهاد التي يتعرض لها أهل القرية على يد المجرم عتريس.
تميز السيناريو والحوار لـصبري عزت في خلق حالة بسيطة للفيلم تناولها الجمهور دون أي تعقيد أو فلسفة مثلما وجدت في العمل الأدبي وساعد في ذلك مشاركة الأبنودي في كتابة الحوار فهو ابن القرية الذي استطاع أن يصنع شخصيات الرواية من لحم ودم على شاشة السينما.
واستطاع قائد العمل السينمائي المخرج حسين كمال أن يمزج كل هذا ويخرج لنا تحفة سينمائية نادرة، فنقل لنا القرية بشكلها الحقيقي وتميزت حركة الكاميرا في نقل أدق تفاصيل المشهد وإختيار الممثلين فلا تجد أحد إلا وفي دوره الحقيقي.
ويظل فيلم "شيء من الخوف" من أهم الأفلام السينمائية المصرية التي تميزت بمصداقيتها وفنها الراقي.
تعليقات الفيسبوك