داخل أحد الخنادق بمعسكرات تدريب المقاومة الشعبية عام 1968، بعد إحدى التدريبات الشاقة، جلست كتيبة الجنود للراحة، ووقف أمامهم بصوت حماسي، على ألحان السمسمية السويسي قائلا: "والله لا بكرة يطلع النهار ياخال.. والله لا بكرة يطلع النهار ياخال وتبقى الدنيا عال.. والشمس تيجي من ورا الجبال".
كان يحمل صوته سلاح ملهم يقوي عزيمة الجنود بعد النكسة في 1967، يغني للعساكر المصريين الذي كان يعلم أنهم سيأتون بالانتصار، وأمام قادة الجيش المصري من خلال حفلات كانت تنظمها الشؤون المعنوية، "الناس على المنارة لطول الليل سهارى.. وعيونها ع الحدود.. يا ليلة يا اللي فاتت.. النجمة ياما شافت، سنابل يا سنابل.. طالة من القنابل، بتقول يا شمس هالة.. على بلدي فوق الغلة.. ليلاتي راح نعود".
الفنان محمد حمام، الذي حمل صوته من أقصى الجنوب لـ"بيوت السويس"، ولد بحي بولاق بالقاهرة، ثم عاد لمسقط رأس أسرته في أسوان قضى طفولته هناك، حتى عاد للدراسة وتخرج من كلية الفنون الجميلة، وبعد النكسة جمع أصدقاءه، وتطوع في تدريبات المقاومة الشعبية بالسويس.
رغم صوته القوي، كانت مسيرته الفنية متقطعة بين انشغاله في العمل، فترات اعتقاله منذ عام 1959 مع العديد من المثقفين المصريين، ومعه الفنان التشكيلي والصحفي حسن فؤاد والذي كان سمعه قبلها يغني الأغاني النوبية بالكلية، فقاده لطريق احتراف الغناء بعد خروجهم من المعتقل.
من أعلى خشبة مسرح ليالي أضواء المدينة، بدأ "حمام" مشواره الغنائي، وكانت أول حفلاته في حفل بسينما قصر النيل وأول أغانيه من كلمات صديقه الشاعر مجدي نجيب وألحان الموسيقار محمد الموجي، وهي "يا عم جمال" و"آه ياليل ياليل".
بين الصعيدي، والنوبي، والسويسي، تعلق صوته في وجدان مستمعيه، يخلق حالة فريدة من نوعها، خاصة لقربها من البسطاء، فكانت مفتاح بوابة قلوب الجنود المصريين على الجبهة، فطاف محافظات مصر يطمئن أهالي السويس الذين غادروا منازلهم، بأن النصر قادم.
في السبعينيات، مُنعت أغانيه في الإذاعة والتلفزيون، فذهب للعمل في الجزائر في مجال تخصصه الأكاديمي، ثم انتقل لبغداد وسجل عدة أغان بصوته للإذاعة هناك.
سافر إلى فرنسا، وشارك كمطرب وممثل في فيلم من إنتاج تونسي فرنسي مشترك بعنوان "سفراء"، وسجل بصوته أغنيته الشهيرة "بابلو نيرودا"، والتي حققت نجاح كبير وبيعت منها آلاف النسخ في فرنسا وأمريكا اللاتينية والبلاد العربية.
لم يكن "السفراء" هو الفيلم الوحيد الذي شارك فيه "حمام"، حيث قام بأدوار في بعض الأعمال السنيمائية منها فيلم "ظلال على الجانب الآخر" للمخرج الفلسطينى غالب شعث، وفيلم "الرحيل لا" وهو فيلم كويتي - مصري - سوداني، للمخرج ماجد عبدالله، كما قدم "سهرة نوبية" تلفزيونية من إخراج الفنانة مجيدة نجم.
كان أول من قام بالغناء في تترات المسلسلات الإذاعية، مثل "الأم" و"شفيقة ومتولى"، والمسلسل الدرامي "الرحلة".
في هدوء تام، رحل "حمام" عن عالمنا في 26 فبراير 2007، بعد أن أنهى رحلته الطويلة مع المرض، وحيدًا على سرير المستشفى العكسري، لم يعد يتذكره أحد أو يزوره زملاءه في العمل الفني، خرج جثمانه ملفوفًا بعلم مصر، إلى المدينة التي رأت من نضاله وحماسه، ليدفن في ترابها.
من أشهر أغانيه "يابيوت السويس"، إلا أنه له العديد من الأغنيات منها: "سلامات"، "جدف يا مراكبي"، "قطر السفر"، "الناس على المنارة"، و"بابلونيودا"، "غرد يا حمام، "الليلة ياسمرا"، "والله لبكرة يطلع النهار يا خال"، كما غنى الكثير من أغاني التراث ومنها "جميلة جميلة"، "يا عم يا جمال"، "صندلية"، "امبوه حبيبتي ليمونة"، تشارك فيها مع أشهر الشعراء مثل الأبنودي، صديق كفاحه والمقاومة، عبدالرحيم منتصر، مجدي بخيت، سمير عبدالباقي، ومجدى نجيب وغيرهم.
وتقدم "الوطن" بلاي ليست لعدد من أغانيه، في ذكرى ميلاده:
تعليقات الفيسبوك