داخل أحد الحدائق الموجودة في ميدان الحجاز بمصر الجديدة، اختار أن يجلس أمام "دكة" صغيرة مستخدمها كطاولة، يضع عليها فانوسين لإضاءة المكان و أكواب فارغة وعدد من العلب المتنوعة من "الشاي والقهوة والسكر وغيرها"، وبجواره "أنبوبة بوتاجاز" من أجل إشعال النار، وكرسيين بلاستيكيين للزبائن، ليبدأ متولي مشروعه الصغير بعد أن ضاق به الحال وحرق مخزنه.
اضطر متولي أن يعمل كبائع المشروبات الساخنة في الشارع، منذ "ثورة 25 يناير" عام 2011، بعد أن تعرض مخزنه للأدوية بمشاركة بعض الأطباء إلى الحريق، فلم يكن أمامه سوى أن يفتح له باب رزق ينقذه من الخسارة الكبيرة التي وقعت عليه وليستطيع الصرف على دراسة بناته الخمس: "الدنيا لطشت معايا جامد بعد الثورة".
ويعتاد الرجل الأربعيني الشهير بـ "أبو البنات" والذي يعيش في المرج يوميا قبل فرش ممتلكاته على تنظيف المكان الذي يجلس فيه وجمع القمامة وألقائها، كما يختار الزبائن التي تأتي إليه لطلب المشروبات: "مليش في الشغل الغلط والناس اللي بتقعد عندي محترمة والمكان واخد سمعة كويسة" أما عن أسعاره فهي أقل من المقاهي تتراوح بين الـ 3 و6 جنيهات: "كان الكوفي شوب ياخد مني القهوة يبعها بـ 20 جنيه".
رغم أنه لم يستكمل تعليمه لظروف صعبة وقهرية وخرج في مرحلة الثانوية إلا أنه حرص على جعل بناته الخمس يدرسن وهن الآن بمراحل تعليمية مختلفة فأكبرهن بالترتيب خريجة كلية تجارة وتليها حقوق ثم سياحة وفنادق وأولى إعدادي والصف السادس الابتدائي، ما جعله يبحث عن أي عمل يساعده على مصاريفهم: "تعبت عشان أوصلهم للدرجة دي ومفيش شغلانة ليا إلا دي".
"أنا كل اللي بتمناه صوتي يوصل".. وصف متولي الذي حاول عشرات المرات تقديم طلب لترخيص كشك له تابع لحي النزهة سواء كان لمشروبات ساخنة أو ورد أو فاكهة لكنه قوبل بالرفض : "أي حاجة نفسي ارتاح، أول ما البلدية بتيجي بلم الحاجة وقعد ورا الشجرة، ده اللي بيشتغل في المخدرات بيقف على الشارع العمومي أنا بشتغل في الحلال وبدارى، وردهم قفلين التراخيص".
دائما ما ينتاب "أبو البنات" الذي رفض الكشف عن وجهه حتى لا يحدث مشاكل مع أشقائه الذي يعمل اثنين منهما في المحاماة وأخر مدرس، شعور باليأس والغضب كونه ليس له مرتب ثابت أو تأمين أو معاش فيما بعد: "حتى الشقق اللي بتنزلها الدولة وقدمت فيها محدش سأل فيا أي حاجة في الدولة أنا معدوم منها"، كما أن ما ادخره لزواج ابنته الكبيرة اضطر لصرفه على مرض والدته في المستشفى: "حتى بنتي مش عارف أجوزها".
تعليقات الفيسبوك