ما أصعب أن يعيش الإنسان مقيدا من حريته البسيطة في التعامل مع العالم الخارجي، خاصًة في مرحلة الطفولة التي تعتبر من أهم وأزهى المراحل العمرية في حياة الشخص، إذ يصبح المرء سجينا لعالم زجاجي فقط، ويترتب على ذلك الكثير من السلبيات التي تؤثر على الفرد نفسه.
في عام 1971 رُزقا زوجان أمريكيان من ولاية تكساس الأمريكية يدعيان "ديفيد جي" و"كارول آن"، طفلة سليمة البدن اسمها "كاثرين"، وبعدها رزقا بآخر توفي بعد ولادته بأيام بسبب إصابته بمرض خطير للغاية اسمه "نقص المناعة المركب SCID"، ويعني المرض أن الجسم لا يمتلك أي قدرة مناعية دفاعية تقيه من أبسط الأمراض.
وبعد مرور فترة من وفاة ابنهما الأول، رُزقا بآخر وصرح لهما الأطباء بنسبة إصابته الكبيرة بنفس المرض، فقرر الزوجان تجهيز استعدادات خاصة مع الأطباء لولادة الطفل داخل أجواء معقمة بشدة، حتى يتأكدوا من سلامة الطفل أم لا، وفقا لما ذكر موقع "ديلي ميل" البريطاني.
تبين للأطباء بعد ذلك بالفعل إصابة الطفل بالمرض نفسه الذي توفى به شقيقه، فقرر الأطباء وضعه داخل فقاعة زجاجية كبيرة معقمة بدقة، وتوصيل له الطعام والشراب ومستلزماته حتى الهواء الذي يتنفسه من خلال مضخات وأنابيب، وكان يتم الاتصال المباشر به عن طريق ارتداء قفازات خاصة، حتى لا يتم نقل أية جراثيم أو ميكروبات بسيطة له.
وفي عُمر الثالثة أدخل له الأطباء مجموعة من الألعاب ووسائل التسلية المعقمة أيضًا، وظل يكبر الطفل داخل فقاعته حتى أصيب بحالة نفسية سيئة، وحاولت طبيبته النفسية المعالجة مساعدته على التأقلم مع هذا الوضع شديد الصعوبة.
وبعد فترة تم السماح لوالديه نقله داخل فقاعته الزجاجية وسط رعاية طبية ملازمة، لمنزلهما حتى يتمكن الطفل من العيش مع أسرته الصغيرة، ومن هنا حاول الوالدان توفير حياة ترفيهية طبيعية لطفلهما، حيث يذهبا به إلى السينما والخروج بالمنزهات مع أصدقائه، ولكن يتم نقله داخل الصندوق الزجاجي بصفة مستمرة.
أصبحت الفقاعة الزجاجية هي كل شيء للطفل الصغير، حتى ساءت حالته النفسية بشدة، ونال تعاطفًا كبيرًا من دولته فقررت الحكومة الأمريكية دعمه صحيًا، وفي عام 1977 صنع مجموعة من الباحثين بوكالة "ناسا" الفضائية، بدلة فضاء مطورة مخصصة للطفل، وكانت توجد بالبدلة فقاعة زجاجية تحيط برأس الطفل يتدلى منها أنبوبًا يبلغ طوله متران ونصف، وذلك لمساعدة الطفل على التنقل والتحرك بسهولة وسط عائلته وأصدقائه.
وفي عام 1983 بعد بلوغ "ديفيد" الثانية عشر من عمره، ضاقت عليه فقاعته، وتدهورت حالته النفسية، فطلب والداه من الأطباء إجراء عملية نقل أنسجة نقية رغم خطورتها الشديدة وفشلها بنسبة كبيرة.
وبالفعل قرر الأطباء إجراء العملية له بنقل أنسجة متطابقة للطفل من شقيقته الكبرى "كاثرين"، وبعد مرور فترة قصيرة من نجاح العملية، أُصيب الطفل بنوبات من الحمى والقيء الشديدين، إلى جانب نزيف معوي حاد، حتى أجبر الأطباء على إخراجه من فقاعته لأول مرة لعلاجه، وساءت حالة الطفل حتى أنه قال لهم "افعلوا لي أي شيء يجعلني أرتاح".
وفي يوم الثاني والعشرين من شهر فبراير من عام 1983، توفي الطفل بعد معاناة مع المرض داخل سجنه الصغير، واستطاعا والداه تقبيله للمرة الأولى والأخيرة في حياتهما.
تعليقات الفيسبوك