على مر تاريخها، مرت القهوة بمراحل تعيسة، فقديما، حرّمت الكنيسة هذا المشروب على المسيحيين قبل أن تتراجع عن ذلك خلال عهد البابا كليمنت الثامن، فضلاً عن ذلك، قادت نساء إنجلترا سنة 1674 حملة شرسة للمطالبة بمنع القهوة، بعد اتهامهن لهذا المشروب بالإخلال بقدرات أزواجهن الجسدية.

وفي فرنسا، لعبت المقاهي دوراً هاماً في إشعال فتيل الثورة سنة 1789، حيث انعقدت أولى الاجتماعات التي تسببت في بداية الاحتجاجات داخل أروقتها، وبسبب ذلك لم تتردد السلطات الفرنسية في الاستعانة بالمرتزقة الأجانب من أجل مهاجمة المقاهي وقتل من بداخلها.
وخلال القرن الـ17، امتدت معاناة القهوة لتشمل الدولة العثمانية، فخلال تلك الفترة لم يتردد السلطان مراد الرابع، الذي حكم البلاد بقبضة حديدية، في تجريم شرب القهوة ملوحا بعقوبات قاسية ضد كل من يخالف ذلك، حسب موقع "العربية دوت نت".
وتولى مراد الرابع الحكم سنة 1623، وهو في الـ11 من عمره، وبسبب ذلك ظل الأخير تحت وصاية والدته السلطانة كوسم و"الصدر الأعظم"، اللذين عملا على إدارة شؤون البلاد إلى حين بلوغه.
ومنذ صغره، سمع مراد الرابع كلاما مرعبا حول القهوة تناقله الوزراء، حيث أكد بعضهم مضارها على الجسم، بيما ذكر البعض الآخر دورها السام في التأثير على الناس وتأجيج كراهيتهم للسلطان.
ولهذه الأسباب حمل مراد الرابع منذ صغره كرها شديدا للقهوة، وتزايد حقد مراد الرابع على القهوة أكثر فأكثر بعد أن نقل إليه أحد وزرائه تقريرا خطيرا، حول دور القهوة في زيادة غضب الناس ودفعهم للتخطيط ضد النظام.
وبالتزامن مع تشديده لقبضته على البلاد ونجاحه في قمع حركة تمردية ضد حكمه، أصدر السلطان مراد الرابع قراراً منع من خلاله استهلاك القهوة، وأغلق جميع المقاهي بعد أن شكك في تجمهر معارضيه داخلها، ملوحا بإعدام كل من يخالف قراره.
فضلا عن ذلك، اتجه السلطان العثماني خلال الفترة التالية لتوسيع قرار الحظر، ليشمل المشروبات الكحولية والتبغ.
ولضمان تطبيق القرار الذي أصدره، لم يتردد مراد الرابع في التجول في شوارع القسطنطينية برفقة عدد من قواته التي كانت تراقبه عن بعد، متنكرا في زي إنسان عادي، وحال مشاهدته لشخص يحتسي المشروبات المحرمة كالقهوة والكحول كان السلطان العثماني يقوم بقطع رقبته على عين المكان، وأمام ناظر الجميع.
وبحسب عدد من المؤرخين المعاصرين، تسببت الحملة على القهوة في مقتل ما لا يقل عن 10 آلاف شخص، وبينما حرم الأهالي من شرب القهوة، لم يتردد مراد الرابع في تناول كميات هامة من هذه المشروبات بشكل يومي.
وخلال شهر فبراير سنة 1640، فارق مراد الرابع الحياة عن عمر يناهز 27 سنة عقب إصابته بالتشمع الكبدي، ليخلفه إثر ذلك شقيقه إبراهيم الأول.

وشهدت فترة حكم إبراهيم الأول تخفيفا في سياسة مراقبة مستهلكي المشروبات المحرمة، فعند القبض عليه خلال المرة الأولى ينال المتهم عقوبة مخففة تتراوح بين دفع غرامة مالية والجلد، وخلال المرة الثانية يعدم المتهم عن طريق إغراقه في النهر.
تعليقات الفيسبوك