يمثل التحنيط علامة بارزة من علامات الحضارة المصرية القديمة، ويعبر عن خبرة متميزة في علوم الطب والتشريح والكيمياء وغيرها، وتشير كلمة "تحنيط" إلى معالجة الجسد بمواد عطرية وغير عطرية، بما يؤدي إلى الحفاظ عليه في حالة جيدة.
وربما كانت البداية الأولى لعلاج الجسد هي تلك التي تعرف بـ "التصبير"، أما التحنيط الذي يمثل العلاج الشامل للجسد فقد عرف في الإنجليزية بـMummification، ولهذا أصبح الجسد المعالج يعرف بـ Mummy، بحسب "سبوتنك".
ويقول الباحث الأثري، مجدي شاكرة، إن الاعتقاد السائد حول سبب تسمية الجسد المعالج بـ"مومياء" هو أنها مشتقة من الكلمة الفارسية Mummia، والتي تعني القار "البيتومين"، اعتقادا ممن أطلقوا هذا المسمى بأن القار كان من بين المواد الرئيسية التي استخدمت في التحنيط، عندما لاحظوا سواد لون بعض المومياوات، وإنه اتضح بعد الفحص والتحليل أن القار لم يستخدم في تحنيط المومياوات المصرية.
ومارس المصري القديم التحنيط في إطار إيمانه بحياة ما بعد الموت، حياة أبدية لا موت بعدها، فسعى إلى اتخاذ كل الوسائل اللازمة للحفاظ على جسده سالما لا يمس، ثم أبدى اهتماما شديدا بالجسد خاصة في لفه بالحصير، ووضعه في تابوت من أعواد النباتات، ثم تطورت عملية الحفاظ على الجسد إلى أن وصلت إلى التحنيط، وأصبحت التوابيت تصنع من الخشب، أو تشكل من الأحجار، وامتلأت المقابر بالأثاث الجنائزي وأدوات الحياة اليومية، والقرابين من طعام وشراب ليستخدمها المتوفى عندما يبعث في العالم الآخر.
وفيما يتعلق بعملية التحنيط، أوضح مجدي أن الجسد كان يجرى عليه 13 عملية ما بين النظافة وتصفية ما بداخل الجمجمة عن طريق فتحتي الأنف بآلة حادة، وعمل فتحة في الجانب الأيسر من البطن ما بين 8-12 سم واستخراج الأمعاء والمعدة والرئة، وتحنيطهم ووضعوهم في ما يسمى بالأواني الكانوبية الأربعة، وترك الكليتين والقلب في مكانه.
وترك المصري القلب في مكانه اعتقادا في أنه هو الذي سيشهد على صاحبه، ووضع تميمة جعران القلب بلون أخضر فوقه، وكتابة نصوص دينية عليه، ثم ملأ البطن بلفائف كتانية، وستعمل بعض المواد العطرية والمر والقرفة والبصل وغيرها من المواد العطرية والصمغية، ووضع صرر من الكتان بها ملح النطرون لامتصاص المياه.
ويظل الجسد ما بين 40-70 يوم حتى يكون جاف تماما ثم يلف بلفائف كتانية تصل لعشرات الأمتار، مع وضع التمائم المختلفة ثم كتابة بعض الأدعية على شرائط الكتان، ووضع قناع فوق الوجه من الذهب أو الكتان المقوى الملون "الكارتوناج" ثم دفنه، وكان هناك ثلاثة طرق للتحنيط، كلا حسب الثمن والطبقة الاجتماعية، وكان هناك ورش خاصة للتحنيط تتركز بجوار المقابر في الغرب يعمل بها المحنطين الذين كانوا يرتدون أقنعة ويرتلون الأدعية أثناء التحنيط، وكان أهل الميت يرمونهم بالأحجار بعد فراغهم من التحنيط لأنهم فأل شؤم.
تعليقات الفيسبوك