في كتابه البيان والتبيين يتعرّض الجاحظ إلى مسألة اللثغ، فعندما ذكر الحروف التي تدخلها لثغة، ولم يكن ما ذكره من باب دراسة لغوية أو ما يشابهها، بل كان من باب الملاحظة الفذّة والتعليق الساخر اللمّاح، فالجاحظ كما هو معروف، كان ناقدا وأديبا ومصورا لا يُفوّت تعليقا طريفا أو نكتة ينثرها أينما كان، بحسب "العربية نت".
قال الجاحظ، إنّ ما يحضره ذكره من الحروف التي تدخلها لثغة هي أربعة أحرف: السيـن والقاف واللام والراء، فاللثغة التي تعرض للسين تكون ثاء كقوله لأبي يكسوم أبي يكثوم، وكما يقولوا بثرة إذا أرادوا بسرة، وباثم الله إذا أرادوا بسم الله.
واللثغة التي تعرض للقاف فإن صاحبها يجعل القاف طاءً. فإذا أراد أن يقول: "قُلت له"، قال: "طلت له"، وأراد أن يقول: "قال لي" قال: "طال لي".
وأما اللثغة التي تقع في اللام فإن من أهلها من يجعل اللام ياء فيقول بدل قوله اعتللت اعتييت، وبدل جمل "جمي"، وآخرون يجعلوا اللام كافا، فإنّ عمر أخا هلال كان إذا أراد أن يقول: ما العِلّة في هذا؟ قال: "ما اكعكةُ في هذا؟"
أمّا اللثغة التي تقع في الراء فإن عددها ضعف عدد اللثغة في اللام، لأن الذي يعرض لها أربعة أحرف، فمنهم من إذا أراد أن يقول عمرو قال عمي فيجعل الراء ياءً، ومنهم من إذا أراد أن يقول عمرو قال "عمذ" فيجعل الراء ذالاً، ومنهم من إذا أراد أن يقول عمرو قال "عمغ" فيجعل الراء غينا، ويعد الجاحظ لثغة الغين أقلها قبحا، وأكثر ما توجد في كبار الناس وبلغائهم وأشرافهم وعلمائهم.
ثمّ يحلو للجاحظ أن يتخيل أصحاب اللثغة هؤلاء وهم ينشدون شعرا فيختار بيتا من تغزل عمر بن أبي ربيعة بهند، ويجريه على ألسنتهم بعدما سمع أحدهم، وهو علي بن جنيد بن فريدي، ينشد هذا البيت بلثغته.
قال الجاحظ إن الذي يجعل الراء ذالاً إذا أنشد بيت عمر: واستبدت مرة واحدة قال: "واستبدت مذّة واحدة" أما الذي يجعلها ياءً فيقول: "واستبدت مية واحدة" والذي يجعلها ظاءً ينشد البيت: "واستبدت مظةً واحدةً" والذي يجعلها غين يقول: "واستبدت مغة واحدة".
ولا يخفى أنَ طرافة ما ذكره الجاحظ يعود لملاحظته الصورة الخطية لأشكال الكلمات التي تقع فيها اللثغات، ويلاحظ الجاحظ أولئك الذين يلثغون بحرفين، ويذكر من بينهم لثغة شوشي، صاحب عبدالله بن خالد الأموي، الذي كان يجعل اللام ياء والراء ياء، فقد قال مرة : "موياي ويي أيي" يريد مولاي ولي الري.
هذا بعض مما ذكره أبو عثمان الجاحظ في هذا المجال الذي أدلى فيه برأيه أيضاً بحسن بعض هذه اللثغات أو قبحها.
ويذكر أيضاً أن معظم من ذكرهم من الرجال الذين يلثغون هم من الخطباء والمتكلمين المشهود لهم في عصره، كواصل بن عطاء ومحمد بن شبيب، وهو ينوه بقدرة واصل بن عطاء على تجنب حرف الراء في ما يقوله.
تعليقات الفيسبوك