في ظل الحرب الطاحنة التي تشهدها مدينة حلب السورية، ومع نزوح عشرات الآلاف من السوريين إلى بلاد عربية وأوروبية، بقى محمد بمنطقة "كفر ناها" في ريف حلب ليقدم يد العون والمساعدة لعشرات القطط التي شردتها ويلات الحرب والقصف على سوريا.
محمد علاء الجليل؛ ترك عمله ككهربائي منذ بداية الحرب على سوريا من 8 سنوات، فقال الجليل خلال حديثه إلى "الوطن": "تركت عملي من بداية الحرب ووهبت نفسي لإنقاذ أي كائن حي"، حيث عكف على مساعدة القطط التي غالبًا ما تكون معرضة للخطر إما بالأكل من الكلاب المشردة أو موتهم جوعًا، فانشأ لهم محمية خاصة تضم نحو من 60 إلى 100 قطة، منهم عدد ثابت بالمحمية من 60 إلى 70 قطة، ومنهم من يخرج إلى الشوارع ويأتي إلى المحمية وقت الأكل فقط، ويستخدم "الجليل" عمليات الإخصاء ومنع الحمل للقط بطريقة طبية حتى لا يتزايد عدد القطط بالمحمية ويكتفي بانتشال القطط من الخارج، وتعد تلك المحمية أول بيت ومأوى للقطط الضالة في سوريا.
كان جليل، البالغ من العمر 43 عامًا، شغوفًا بشأن القطط منذ صغره وحريصًا على حبهم ورعايتهم، حيث كان يمتلك قطتين ولا ينام حتى يناما بجانبه، كما كانت هوايته أن يكون رجل إنقاذ وإسعاف مثل أبيه، فساعده ذلك في إنشاء محمية "أرنستو" للقطط والتي أسماها على اسم قطه المفضل "أرنستو" الذي أنقذه من مكان صحراوي بعيد وأطلق عليه اسم قط إيطالي مات بمرض السرطان، حيث يقدم لهم في المحمية الطعام والعناية الطبية اللازمة بإشراف طبيب بيطري متخصص.
وتمكن محمد جليل، من إنقاذ 22 قطة بعد خروجه من حلب، باستخدام الأقفاص البلاستيكية والانتقال بهم من منطقة إلى أخرى بمدينة حلب الشرقية بعدما مات أكثر من 40 قطة بفعل القصف وغاز الكلور، فقال "كنا نفرّ من حي إلى آخر، ثم اضطررنا للخروج من المدينة"، وكان أكثر شيء يواجه جليل هو قلة الأدوية البيطرية وأدوات الإسعاف اللازمة فكان يستخدم الطرق البدائية في الرعاية، حتى أطلق عليه أهل المدينة "رجل القطط في حلب".
لم يقتصر جليل على إنقاذه القطط فقط، ولكنه ساهم في إنقاذ الحيوانات في حديقة حيوان حلب، كما شارك في حفر آبار المياه ومولدات الكهرباء وشراء المواد الغذائية، وتوفير 4 سيارات إسعاف بالمنطقة التي كانت عامرة بـ300 ألف نسمة ولم يتبقَ من سكانها سوى 2000 شخص فقط بفعل الحرب.
ويتعرض جليل لكثير من المخاطر والموت المحقق، حيث تعرضت سيارته الخاصة التي حولها إلى سيارة لإسعاف الناس لإصابات كثيرة بسبب الأحجار الموجودة في الشوارع جراء القصف، ومع هذا لم يثنه ذلك عن الاستمرار في رعاية الناس ومساعدتهم "بعت أثاث وفرش وأغراض بيتي لتصليح محرك السيارة".
"إذا أردت رحمة الناس ابدأ برحمة كل شيء غير الناس، القطط مثل الأطفال تحتاج إلى المساعدة"، هكذا عبر محمد علاء، عن سبب حبه ورعايته للقطط، والذين ينفق عليهم من حسابه الخاص ما يصل إلى 20 ليرة سوري يوميًا، بالإضافة إلى رصيده الذي أنفقه في الحرب والذي تجاوز مليون و200 ألف ليرة سوري بما يساوي 24 ألف دولار، وتعاونه مع أصدقائه بجمع التبرعات وبقايا اللحوم من الجزارين واللحامين لرعاية قطط المحمية.
أسس جليل، بعد عودته من زيارة أسرته في تركيا في أواخر 2016 محمية للقطط، بمساعدة 200 شخص من أصدقائه ، بجانب مركز طبي للبشر، ومركز بيطري، وملعب للأطفال، كما يؤسس حاليًا دارًا للأيتام، ومركزًا لذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى روضات ومدارس للأطفال الصغار بتكلفة وصلت إلى 50 ألف دولار، كما ساعده أصدقائه بمبلغ 40 ألف يورو لتخزين المواد الغذائية من الرز والسكر والزيت والسمن، بالإضافة إلى المحروقات والديزل، كما قام بتخزين كمية قليلة من الحليب والعصائر والوجبات التي يفضلها الأطفال.
محمد الجليل لديه ثلاثة أبناء؛ عادل 7 سنوات، وإيناس سنة، ومرام 12 سنة، تركهم وزوجته يغادروا مدينة حلب السورية فارين إلى تركيا، حيث قال في حديثه "تركتهم يروحوا لأنهم قالوا إذا بيصرلنا شي بيكون أنت السبب، قلتلهم أنا روحي ما هي أغلى من الناس اللي بتروح"، كما رفض عروض أصدقائه في أن يغادر سوريا ويرحل إلى أي بلد آخر فقال "قلتلهم إذا كنت أريد السفر كنت سافرت من بداية الأزمة السورية، ما تضيعولي تعب 7 سنين لخدمة بلدي وخدمة الفقراء، أطفالي ما هم أغلى من أطفال حلب".
تعليقات الفيسبوك