​

"موت أختي كان السبب أن اتجه لشعر الحب فأردت أن أتحدى المدن التي قتلتها،  كانت في الخامسة والعشرين من عمرها، وكنت في الخامسة عشر من عمري، أحبت شخصا وتقدم لخطبتها ولم تبارك الأسرة ذلك الزواج، فدخلت إلى غرفتها وقتلت نفسها"، من هنا قرر الشاعر الكبير نزار قباني الذي يوافق اليوم ذكرى ميلاده، الانتقام لشقيقته الكبرى "وصال" عبر أشعاره، وإنصاف المرأة وتبني قضيتها فظل طوال عمره نصيرا للمرأة التي دائما ما تظلمها العادات والتقاليد في مجتمعنا الشرقي، مثلما ذكر في أحد حواراته التلفزيونية.

فكان لانتحار شقيقته دورًا كبيرًا في جعله يكتب عن الحب في أشعاره ويهبه أجمل كلماته وتعويضًا له عن فقد أخته وانتقامًا لها من مجتمع يرفض الحب، فإمبراطورية نزار التي بناها للمحبين والعشاق قامت في البدء على انتحار أخته في سبيل الحب، وخرج لنا بأجمل الأشعار التي تغنى بها عمالة الطرب في الوطن العربي.

"أنا أنثى، نهار أتيت إلى الدنيا وجدت قرار إعدامي، ولم أر باب محكمتي ولم أر وجه حكامي"، كلمات عبّر خلالها نزار قباني عما تعانيه المرأة في بلاد الظلم والقهر.

ويستمر دور المرأة في حياة نزار فالأمر لم يتوقف عند أخته فقط التي كانت ملهمته الأولى بل امتد ليشمل والدته التي كان يربطه بها علاقة كبيرة فكان ابنها المدلل الذي تخاف عليه، وكانت تطعمه بيدها حتى سن الثالثة عشر، وبعد أن التحق نزار بعد تخرجه من كلية الحقوق بالعمل الدبلوماسي كانت ترسل له الطعام إلى مدريد كما يروي نزار، وكأنها تظن أن الطعام لا يخرج إلا من مطبخها، حتى أن بعض العلماء النفسيين أخذ يطبق علم النفس على شعر نزار، وكتب لها نزار العديد من القصائد منها قصيدة بعنوان "خمس رسائل إلى أمي"، وكان موتها هو الفجيعة الكبرى في حياته ورثاها بقصيدة جاء في مطلعها "قولي للملائكة التي حرستني خمسين عامًا ألا تتركني لأنني أخاف أن أنام وحدي يا أماه".

ظل نزار طوال مسيرته الشعرية مقتنعا أن المرأة مظلومة في بلادها مهما حاول إنصافها، وعبر عن ذلك في قصيدته "رسالة من امرأة حمقاء" التي جاء فيها:

"يا سيدي

أخاف أن أقول ما لدي من أشياء

أخاف  لو فعلت

أن تحرق السماء

فشرقكم يا سيدي العزيز

يصادر الرسائل الزرقاء

يصادر الأحلام من خزائن النساء

يمارس الحجر على عواطف النساء

يستعمل السكين والساطور

كي يخاطب النساء

ويذبح الربيع والأشواق

والضفائر السوداء

وشرقكم يا سيدي العزيز

يصنع تاج الشرف الرفيع

من جماجم النساء"

وبالنظر إلى حياة الشاعر نزار قباني نجد أن المرأة فقط هي من أمدته بالقوة والنشاط سواء شقيقته أو والدته أو زوجته بلقيس الراوي العراقية التي كتب لها "أشهد ألا امرأة احتملت حماقتي عشرة أعوام إلا أنتِ"، فبلقيس بالنسبة لنزار كانت تعني الأمان والحصن الذي يلجأ إليه كلما هزمته الدنيا.

وفي عام 1981 وقع حادث مأساوي عندما انفجرت السفارة العراقية في بيروت التي كانت بلقيس تعمل فيها ولقت حتفها وضاعت أشلاء جثتها بين الأنقاض وتحمل الوطن العربي كله مسؤولية مقتلها ورثاها نزار بقصيدة شهيرة تحمل اسمها جاء فيها: "شكرًا لكم فحبيبتي قتلت وصار بوسعك أن تشربوا كأسًا على قبر الشهيدة".

وبعد مقتل بلقيس رفض نزار أن يتزوج وسافر إلى لندن وقضى بها بقية حياته حتى وافته المنية في لندن وكان ذلك في 30  أبريل عام 1998.