جسد هزيل أنهكه المرض، وصوت تخرج أهاته بصعوبة وآلم أخرس ضحكته المجلجلة التى افتقدها أصدقاؤه والمقربون منه، وقدمان لا تقويان على حمله، وساقان ضمرا إلى النصف، لا يستطيع أن يسند ظهره لمدة دقائق، ويتقلب عشر مرات في الدقيقة الواحدة حتى يستقر على وضع مريح، هذه كانت حالة الكاتب الصحفي الكبير موسى صبري وهو على فراش المرض، كما وصفها صديقه المقرب المحاور مفيد فوزي، أثناء زيارة له، والذي وصف صداقتهما بأنها "صداقة قلب وعقل اجتمعت في رجل واحد، فما أندر هذا النوع من الصداقة وسط مصالح زائفة يطلق عليها صداقة وهى عارية تماماً من أبسط التزامات هذه العلاقة".
وقال مفيد فوزي، في حديث قديم لمجلة صباح الخير نُشر عام 1992: "رغم كل هذا إلا أن عقل موسى صبري كان يقظا قادرا على المحاورة والمناقشة والتعبير بدقة عما يحس به من ألم، فإذا اشتد عليه الألم طلب المسكن"، موضحا أن أزمة موسى صبرى هى قدرته على السيطرة على عقله ولكن النصف غياب جعله غير قادر على السيطرة على كتاباته.
ورغم أنه كان يسمع التفاز كما لو أنه راديو دون أن ينظر للشاشة لعدم قدرته على ذلك وابتعد عن المحادثات التليفونية إلا أنه ما زالت الأفكار الصحفية تراوده بشده، وعندما اقترح عليه مفيد فوزى أن يساعده فى كتابتها على الورق كان يقول "الكتابة علاقة قلم بالورقة وطقوس خاصة"، موضحا أن زيارة الناس له ساعادته على الخروج من اليأس لأن الوحدة مرهقة جداً وخاصة لإنسان عرف الصخب والحركة والحياة فى الصحافة.
كانت الفكرة التى تجول فى خاطره هى الضرورة الأولى لاستمرار الحياة فى مصر قبل الإجراءت الاقتصادية باعتبارها معنى للتكافل والترابط الإجتماعى الذى يعد حجر الأساس قائلا: "إذا ما كانش الشغال اللي عندك فى البيت يأكل من طعامك ويلبس من ثيابك ويصرف من مالك، استمرار الحياة سوف يكون صعب".
في هذا الوقت كان يحكم تفكير موسى صبري فكرة التكافل الاجتماعي لأنه كان يراه صمام الأمان مضد أي انفلات "تصور فى أمريكا بدا الانهيار الاجتماعي، فهي في نهاية الأمر أصبحت مجتمع الجنس الشاذ والتليفزيون فيها أصبح أداة الهدم، فأقذر الألفاظ تقال علنا على الشاشة، فأمريكا ليست فس أفضل أوقاتها".
غلبه المرض فلم يستطيع اسكتمال الحوار مع مفيد فوزى فتقلب على سريره وجاءوا له بالمسكنات وقال ابنه أيمن أن هذه أطول فترة تحملها فى الكلام وأخذ مفيد فوزى ينادى عليه بصوت عالى إلا أن الممرضة قالت له والدموع فى "عينيها البيه راح فى النوم".
الكاتب الصحفى والمفكر موسى صبرى ولد عام 1925 بمحافظة أسيوط، ثم انتقل إلى القاهرة للالتحاق بكلية الحقوق، وكان مهتما بالصحافة، واعتقل فى بداية حياته الصحفية لمدة 9 أشهر بتهمة توزيع "الكتاب الأسود" الذي نشره مكرم عبيد، الذي رضد فيه فساد الحكومة، وبعد خروجه عمل في مجلة بلادي سنة 1944 وعمل بعد ذلك في مجلة الفصول، ثم انتقل عام 1947 للعمل كمشرف على الصفحات الأدبية بصحيفة الأساس وفى عام 1950 بدأ مشواره مع صحيفة أخبار اليوم، وتوفي الـ 8 من يناير عام 1992.
تعليقات الفيسبوك