الفيلسوف الفرنسي رينيه جينو
ولد رينيه جينو في 15 نوفمبر بالعام 1886، بمدينة بلوا جنوب غرب باريس، ونشأ في أسرة كاثوليكية محافظة، وكان رينيه ضعيف البنية، ما عطّل التحاقه بالمدرسة، فتولت عمته "دورو" تعليمه القراءة والكتابة في منزلها الجميل، على ضفاف نهر اللوار، حتى بلغ الثانية عشرة من العمر.
وما إن بلغ السادسة عشر من عمره، حتى التحق بكلية "رولان" في باريس، ليعد شهادة الليسانس في البكالوريا شعبة الفلسفة، وحصل على البكالوريا في الرياضيات المتخصصة، إلا أن دراسته في ذلك الوقت، عرفت الخط الذي سيصبح طريقه إلى البحث المتواصل، فلم يكتف بالدراسة الجامعية، وراح ينهل من العلم في باريس الزاخرة بالمعلمين والمرشدين من الشرق والغرب.

وما إن وصل إلى الـ20 من العمر، حتى تشرب أساسيات تكوينه الروحي، وبدأ رحلته في البحث والتنقيب بين المنظمات المختلفة، لمعرفة ما إذا كانت ذات طابع أصيل أم لا، إذ لم يعد رجال اللاهوت الكنسي قادرين على تقديم إجابات مقنعة لأسئلته، فقرر الابتعاد ومحاولة البحث بنفسه عن اليقين المطلق في غياهب المجهول، وراح يدرس أهم المذاهب الدينية والفلسفات الروحية، قبل أن يستقر به المطاف في رحاب الإسلام، ليصبح واحدا من أهم متصوفي العصر الحديث.
بعد وفاة زوجته الفرنسية، انتقل جينو إلى القاهرة، حيث عاش بقية حياته بها "مسلم"، وأطلق على نفسه اسم "الشيخ عبدالواحد يحيى"، وكانت له علاقات طيبة وقوية مع بعض الشخصيات المصرية المعروفة، بينها صداقته للشخصية الثانية في حياته، وهو الدكتور عبدالحليم محمود الذي أصبح فيما بعد شيخا للأزهر، والذي روى في إحدى مقالاته قصة إسلام جينو قائلا: "سبب إسلامه كان بسيطا ومنطقيا في الوقت ذاته، درس القرآن الكريم بشكل عميق، ووصل إلى حقيقة أنه النص المقدس الوحيد الصحيح، بهرته أشعة الإسلام الخالدة بعد فترة شك وحيرة، وبحث عن الحقيقة، انتهت به إلى اكتشاف الإسلام".
أما جينو نفسه، فيقول عن سبب إسلامه: "تتبعت كل الآيات القرآنية التي لها ارتباط بالعلوم الطبية والصحية والطبيعية، والتي درستها منذ صغري وأعلمها جيدا، فوجدت هذه الآيات منطبقة كل الانطباق على معارفنا الحديثة، فأسلمت لأني تيقنت أن محمدا صلى الله عليه وسلم أتى بالحق الصُّراح من قبل 1000 سنة، ومن قبل أن يكون هناك معلم أو مدرس من البشر".

وفي القاهرة، اهتم جينو بالتصوف الإسلامي، وتأثر في ذلك ببعض العلماء المستشرقين الذين تخصصوا في التصوف، أهمهم المستشرق إيفات أجولي، وأسلم وأطلق على نفسه اسم عبدالهادي، والشيخ المسلم عبدالرحمن الكبير، الذي كان من كبار علماء المذهب المالكي في جامعة الأزهر.
تعرف جينو في مصر على الشيخ سلامة حسن الراضي، مؤسس الطريقة الحامدية الشاذلية، وسرعان ما التحق جينو بهذه الطريقة، وأصبح من أتباعها، وظل مرافقا لشيخ الطريقة حتى وفاة الراضي في العام 1938.
التقى جينو شيخا صوفيا آخر، وهو الشيخ محمد إبراهيم، وتوثقت علاقته به، وتزوج ابنته في العام 1934، وأنجب منها 4 أبناء، وعاش جينو حياة بسيطة زاهدة في مصر، مكرسا وقته للكتابة في الموضوعات المرتبطة بالتطور الروحي والتصوف، وفي العام 1949 حصل على الجنسية المصرية.
وفي مصر ألف جينو معظم أعماله، والتي بلغت 29 كتابا، وما يزيد عن 500 مقال ومراجعات للكتب، وغطت أعماله مجالات الدين والعلوم التقليدية والفنون، ونقد العالم الحديث، واشترك جينو مع عدد من علماء الغرب وفلاسفته في مسألة نقد الحياة الغربية الحديثة، والبحث عن بديل لها في حياة الشعوب الشرقية، والاهتمام بدراسة الحضارات القديمة التقليدية، وتوضيح أهمية التراث الشرقي القديم في إحياء التراث في الغرب أو إعادة اكتشافه.

ترك الشيخ عبدالواحد يحيى العديد من المؤلفات، التي ضمَّت بين صفحاتها دفاعًا عن الإسلام وصورته لدى الغرب، في مواجهة الصورة التي كان يُروِّجها المستشرقون عن كون الإسلام انتشر بحد السيف، وأنه لا يثمر الروحانية العميقة، وجاءت إسهاماته في الرد على هذه الاتهامات من خلال كتبه، وأهمها:
خطأ الاتجاه الروحاني (تحضير الأرواح)، الشرق والغرب، علم الباطن لدانتي، الإنسان ومستقبله وفقا للفيدانتا، أزمة العالم المعاصر، ملك العالم، القديس برنارد، رمزية الصليب، السلطة الروحية والسلطة الزمنية، أحوال الوجود المتعددة، عروض نقدية، سيادة الكم وعلامات الزمان، الميتافيزيقا الشرقية، لمحات عن التسليك الروحي، الثالوث الأعظم، مبادئ الحساب التفاضلي، لمحات عن الباطنية المسيحية، البدايات: دراسة في الماسونية الحرة وجماعات الأخوة (جزآن)، الصور التراثية والدورات الكونية، لمحات عن الصوفية الإسلامية والطاوية، وكتابات متناثرة.
توفي جينو في العام 1951، وكانت آخر كلماته التي نطق بها لفظ الجلالة "الله"، حسب رواية بول شكورناك، مؤلف كتاب "حياة رينيه جينو الزاهدة".
تعليقات الفيسبوك