في إحدى قرى مصر تقبع فتاة في العشرينات من عمرها أمام مجموعة من الأسلاك داخل سيارات النقل الثقيل، في مشهد يومي اعتاد الأهالي على رؤيته بين امتعاض الكثير وإثناء البعض أبرزهم الوالد الحاج محمد النصيري.
سمر، فتاة مصرية سلكت طريقها في الحياة بصورة طبيعية مثل الكثيرات من قريناتها، تلقت تعليمها في إحدى المدارس الأميرية، ثم التحقت بالجامعة، حيث تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، إلا أنها عقب التخرج اختارت طريق لم يعتد أحد على رؤيته سواء في كفر الزيات، إحدى مدن كفر الزيات، التي نشأت فيها، أو في مصر عامة.
عقب التخرج من الجامعة حاولت "سمر" السير في الطريق المعتاد لأي فتاة، وهو العمل بشهادتها، حيث بدأت طريقها سكرتيرة في إحدى الشركات، ومن بعده حاولت العمل مدرسة، لكنها سأمت تلك الحياة الروتينية، واختارت مهنة إصلاح شاحنات النقل الثقيل.
وروت سمر لـ"الوطن" تفاصيل حكايتها المثيرة للجدل، وتقول إنها عشقت مهنة إصلاح كهرباء سيارات النقل الثقيل منذ الصغر، حيث كان عمرها 13 عاما عندما شاهدت والدها يقوم ومعه والدتها بتفكيك سيارته للنقل الثقيل.
وبدأت سمر رويدًا رويدًا تتكشف تفاصيل السيارة ومكوناتها، مضيفةً أنها كانت ترى في قرارة نفسها أنها ليست أقل شأنا ممّن اخترع السيارة أو قام بتصنيعها، حيث إنها تمتلك عقلا لا يقل عن عقله.. "ليس شخص خارق.. هو يمتلك عقل وأيضًا أنا".
ومنذ هذا الوقت، اتخذت سمر قرارها بتعلم هذه المهنة، وذهبت إلى أصحاب الورش الصناعية في مدينتها كفر الزيات؛ حتى يدربوها على هذه المهنة، لكنهم رفضوا جميعًا لكونها أنثى والمهنة ربما تكون شاقة عليها ولا يتحملها سوى الرجال.
وقالت سمر إنها اضطرت لشراء كتب خاصة بسيارات النقل الثقيل للتعلم منها، كما كانت تطالع ما يُكتب عن هذه المهنة وأسرارها في الإنترنت.
خبرة سمر التي تعلمتها خلال وقت قصير من خلال التعليم الذاتي، جعلتها قادرة على إصلاح مشاكل الكهرباء المتعلقة بسيارات النقل الثقيل، فبدأت بسيارات والدها، الذي شجعها كثيرًا على خوض هذا التحدي لمجتمعها، وتطور الأمر إلى سيارات أصدقاءه من السائقين.
وقوف والد سمر إلى جوارها لم يكن السلاح الخارق لمواجهة نظرة المجتمع إليها، مشيرة إلى أن عائلتها كانوا أول الواقفين ضدها، خاصة شقيقات والدتها، إلى جانب المعاملة السيئة من أصحاب الورش التي حاولت فيما بعد العمل تحت أيديهم حتى تكتسب مزيد من الخبرة والمال.
وأوضحت سمر أنها لا تمتلك ورشة خاصة بها، لكنها تقوم بتجميع كل الطلبات التي ترد إليها من سائقي السيارات وتعطيهم موعدًا لترك سياراتهم على الطريق ثم تقوم بإصلاحها خلال دقائق، وتتقاضى منهم ما يقومون هم تلقائيًا بسداده دون نقاش تاركةً الأمر لتقديرهم.
وأكدت سمر أنها لا تخجل من العمل بهذه المهنة الشاقة ولذلك دونت في بطاقة الرقم القومي الخاص بها أنها كهربائي سيارات.
طموح سمر لم يتوقف عند هذا الحد، حيث أكدت أنها كانت تسعى لامتلاك مركز لتدريب الفتيات والشباب على امتهان تصليح الشاحنات الثقيلة، إلا أن هذا الأمر كان يحتاج منها امتلاك شهادة معتمدة في إصلاح كهرباء السيارات، لذلك لجأت إلى إحدى شركات السيارات الألمانية الشهيرة، التي أبلغتها إلى أن تكلفة هذه الكورسات ستبلغ 100 ألف جنيه، وهو مبلغ يفوق قدرتها المادية.
وتأمل سمر حاليًا على إدخار مبلغ من المال للحصول على تلك الشهادة، التي ستساعدها بشكل كبير في تحقيق حلمها، مؤكدة أن طموحها ليس امتلاك ورشة لإصلاح أعطال السيارات، مشبهة نفسها بـ"الطائر" الذي يرفض تقييد حريته.
تعليقات الفيسبوك