بلهجة صعيدية عذبة وملابس بسيطة مألوفة للعين، يخرج أبطال الدراما الصعيدية علينا عبر الشاشة الصغيرة مجسدين مشاكل الجنوب ببراعة تمس الوجدان المصري، تتكرر المشكلات أحيانا لكن الإبداع دائما يجعلنا نتابع بشغف وكأننا جزء من الحدث، فتلك البيئة التي تقدس دور "الأم" وتعامل المرأة بحذر، تجسد الحب وتتخذ من "الدم" قانونا عرفيا لحل مشاكلها، تواكب التكنولوجيا ولا تزال تتمسك بالثأر ومع كل التناقضات دخلت المسلسلات المصرية في عمق الصعيد كاشفة عن جزءا هاما من جنوب مصر.
"غوايش".. "صندوق الدنيا" في الصعيد:
تجبر الظروف "غوايش" ووالدها وابن عمها "البرنس" للذهاب إلى إحدى قرى الصعيد بحثا عن لقمة العيش بواسطة آلة والدها "صندوق الدنيا" والتي كانت قد عفا عليها الزمان في عدد من المحافظات بعدما دخل التلفاز إلى المحافظات والذي لم يصل إلى محافظات الصعيد.
عمل والد "غوايش" فور وصوله إلى القرية على عرض الرسومات والأشكال عبر "صندوق الدنيا" وذلك بأن يأخذ الأموال من أهل القرية مقابل مشاهدتهم لـ"صندوق الدنيا" ذلك، بينما تعمل "غوايش" الفتاة البسيطة من محافظة طنطا في بيع الحلي النسائية المزركشة.
حكاية تتكرر داخل الكثير من البيوت الصعيدية التي توارثت عادات وتقاليد يغلّبونها على عقولهم، فالأخ لا ينفطر قلبه إذا وجد شقيقه الوحيد مقتولا بيديه، والزوجة التي ترمّلت ربما تأخذ على عاتقها ثأر رفيق عمرها مهما كان الثمن، والأبناء يزرعون الشر مهما كانوا بعيدين عنه، والرومانسية لم تغب عن كل تلك الأحداث المخضبة بالدماء، والمتمثلة في ملحمة درامية صعيدية.
شجرة الشر يزرعها الأب، جودة أبو جبل، الذي يفرّق بين ابنيه في المعاملة، فابنه الأصغر "مصباح" هو الأحب إلى قلب أبيه والأجدر، في وجهة نظره، بالجزء الأكبر من ثروته وأرضه، فيما يشعر أخوه، الزناتي، بغيرة شديدة، خاصة بعد ما فرّق أبوه بينه وبين حبيبته، كاملة، وزوّجها لأخيه "مصباح"، ما زاد الاحتقان بين الأخين.
"النار والطين".. زينات وصراع العلاقات الإنسانية:
سيدة صعيدية من أعماق سوهاج، عرفها من حولها بالقوة والجبروت، يخشاها الكبير قبل الصغير، شخصية "زينات" التي جسدتها الفنانة مادلين طبر، في أحداث مسلسل"النار والطين" تنتمي إلى الصعيد المحافظ على عاداته وتقاليده، وتجد نفسها فجأة بعد وفاة زوجها مسؤولة عن رعاية ابنتها إلى جانب رعاية ابنة شقيقتها دون مورد مالي، لتصبح مطمعًا لكل الرجال حولها، فتقرر بذكائها أن تفتح مقهى لترعى من دخله الفتاتين، وتحافظ على نفسها وتحارب كل من يقترب منها.
كانت للعلاقات الإنسانية في مسلسل "النار والطين" النصيب الأكبر من الحبكة الدرامية، ونقل من خلالها الكاتب أنور عبدالمغيث، حياتنا التي سيطرت المادة عليها، ملقيًا الضوء على معاناة صعيد مصر من التجاهل التام من جانب المسؤولين.
"شمس الأنصاري".. حلقة أخرى من سلسة الثأر:
"كان واعي إنه هاييجي اليوم والحق يسعى لمين سعى ليه"، جملة حواها تتر البداية من المسلسل لتلخص كل أحداث الحكاية التي لا يخلو بيت صعيدي منها، فالطفل الصغير لا يكاد عقله ينضج حتى يفاجأ بعبء ثقيل ألقي على عاتقه، ويتحول اللون الأخضر في قلبه إلى سواد لن ينتهي إلا بنيل مراده، ليجسد مسلسل "شمس الأنصاري" حلقة أخرى من سلسلة الثأر، التي تعشقها الدراما الصعيدية.
الحكاية تبدأها أم ثكلى تفقد زوجها، حجاج، وابنتها "غالية" اللذين يلقيان مصرعهما ضحية غدر عمدة بلدتهما وابنه، لتفر الأم، مع ولديها "شمس" و"أسامة"، لتربيتهما في جو يخلو من الخطر، وبث روح الانتقام في قلب ابنها الصغير الذي يفترض أن يغسل العار بقتل من استباح شرف أخته قبل قتلها.
"سيدنا السيد".. أسطورة فضلون "العصا لمن عصى":
"الدين".. هي الحجة التي لجأ إليها فضلون الديناري، الذي كان يردد آيات القرآن الكريم لتبرير أفعاله، في مسلسل في "سيدنا السيد" الذي تدور أحداثه في العام 1945، بقرية في سوهاج، حيث جسد جمال سليمان في دور "فضلون"، الذي ارتكب والده مذبحة كبيرة في البلدة، لتظل المجزرة وصمة تطارد ابنه، الذي يجسد "سليمان" في سن الأربعين.
ودارت أحداث المسلسل في 30 حلقة، عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في مصر خلال فترة الأربعينيات، داخل كفر السيد، حيث يعيش "فضلون" في قريته مستخدما مبدأ "العصا لمن عصى" مع جميع من حوله، ويحكم القرية بالقوة والسلطان، ويعتبره أهل القرية شخصية استثنائية تتميز بالغموض والازدواجية.
تعليقات الفيسبوك