يحبها الحب الذي جعله ينتظر الرسالة أو حديث التليفون كما ينتظر العاشق موعد اللقاء، كانا أشبه بالشجرتين منهما بالإنسانين.. يتلاقيان وكلاهما على جذوره ويتلامان بأهداب الأغصان أو بنفحات النسيم العابر من هذه الأوراق إلى تلك الأوراق".. ربما نزلت تلك السطور على الملايين من قرائه كالصاعقة، فالأديب، الذي اهتم بأدب السير الذاتية وأسس المدارس الفكرية وهاجم فن الرواية، يتفجر منه ينبوع لا ينضب من الرومانسية، يعبر فيه عن حالة حب احتار الكثيرون في تفسيرها أو فهم سببها، لتصبح "سارة" هي اللغز الذي نقّب عشرات الباحثين عن حله في حياة "عباس محمود العقاد".
"الحب.. اللهفة.. الغموض.. الشك"، عناوين عريضة فرضت نفسها على صفحات القصة التي ألفها العقاد عام 1938، فبطلا الرواية، همام وسارة، يلتقيان بالمصادفة ويتبادلان الإعجاب وتجمعهما مقابلات يصنعان فيها كل معاني الحب، قبل أن يذوقا طعم الفراق لسنوات طويلة يجمعهما القدر بعدها، حتى يدخل "الشك" طرفا في القصة ليسدل الستار عليها بعد اكتشاف البطلة مراقبة حبيبها لها وعدم ثقته بها واستماعه لنصائح أصدقائه الذين حاولوا تشويهها في عينه.
رغم أن "سارة" هي الرواية الرومانسية الوحيدة في حياة "العقاد" إلا أنها خاضت عشرات المعارك على كافة الأصعدة، فالبعض برر اتجاهه لفن "الرواية الأدبية" أنه يريد تجربة نفسه في كل مجالات الكتابة، وبعضهم استنكر عليه هجومه على الروائيين ثم السبح في تيارهم، غير أن "العقاد"، نفسه، حسم ذلك الجدل في مقدمة الطابعة الثانية للرواية قائلا: "روايةة سارة كانت في ذهني، وكنت قد نويت ان أكتب قصة سارة لأنها تجربة نفسية لابد أن تكتب في يوم من الأيام".
كلمات "العقاد" أبصرت قراءه بحقيقة جديدة تكمن في استلهامه لتلك الرواية من قصة حقيقية جرت في حياته، لتخوض الأفواه والأقلام معركة جديدة عن بطلة رواية "سارة" الحقيقية، فالبعض ذهب إلى أنها الأديبة "مي زيادة" التي أعلن "العقاد"، مرارا، عشقه لكتاباتها، وآخرون ذهبوا إلى أنها أجنبية أو إسرائيلية مستندين إلى وصفه لها، عبر صفحات الرواية، بأنها فتاة تحسن العديد من اللغات.
الكاتب الصحفي حلمي النمنم، وزير الثقافة الحالي، وضع حقيقة أخرى عن شخصية "سارة" الحقيقية، حيث نقل، في أحد مقالاته، عن الباحث أحمد حسن الطماوي أن "سارة" هي الكاتبة والمترجمة "أليس داغر" ولها اسم آخر هو "أليس عبده هاشم"، وهي ابنة الرائدة والكاتبة المعروفة لبيبة هاشم مؤسسة مجلة فتاة الشرق، وتزوجت أليس من صحافي سوري كان مقيما في مصر ومؤمنا بالعروبة هو عبده هاشم وحملت اسمه، إضافة إلى استناد "النمنم" لكتاب نشره طاهر الجبلاوي قد نشر كتابا عن المرأة في حياة العقاد أشار فيه إلى نفس الحقيقة.
"سارة"، لم تكن مجرد رواية أدبية تندرج تحت قائمة أعظم الرومانسيات في تاريخ الأدب العربي، بل صارت أيضا ملحمة درامية إذاعية قامت ببطولتها النجمة سناء جميل التي وقفت إلى جانب العملاق محمود مرسي يواجهان معا الحقيقة التي وصفها بطل المسلسل بأصعب الأمور في الدنيا، "لأننا غالبا لا نعرف الحقيقة".
تعليقات الفيسبوك