لم يفرض الصيام على الآدميين لمجرد الأوامر الدينية فقط، فالأوامر والنواهى التى تفرضها الشرائع على الناس يراعى فيها أنها لمصلحتهم وتنظيم حياتهم، وأوفق الشرائع ما كانت تتفق فى تعاليمها مع الفطرة التى خلق عليها الإنسان، ولا شك فى أننا نجد فى الصيام فوائد صحية كثيرة، أهمها أن يكون الصيام فرصة يستطيع الجسم فيها أن يسير على نظامه الطبيعى الذى يكون للإسراف فى الطعام أو سوء نظام التغذية أو اضطراب مواعيدها أثر فى اختلاله، فيستطيع الجسم أن يستعيد نظامه الطبيعى فى فترة الصيام ويتخلص من الفضلات والأخلاط التى قد تؤذى البدن. ولما كان الصيام على هذا نظاماً طبيعياً تهتدى إليه الأحياء بالفطرة، فلا يستبعد أن تصوم الحيوانات مدفوعة فى ذلك بطبيعتها.
ففى مصر مثلاً نوع من الجمال يعيش غالباً فى الصعيد، ويمتاز بنحافة الجسم وكبر الرأس ودقة السيقان وصغر الأخفاف، وهو يزهد فى الأكل فى أغلب فصل الربيع، ولا يتناول الطعام ما لم يدفعه إليه صاحبه دفعاً، ولا يشرب إلا نادراً، فقد يشرب شربة واحدة فى اليوم الواحد أو فى يومين أو فى ثلاثة أيام، وتشعر الجمال فى هذه الفترة بكثير من النشاط وخفة الحركة والقوة، ويكثر التناسل بينها فى هذا الموسم، وقلما نلاحظ الجمال «تضرب بالقلة» إلا فى هذا الأوان. ويقال كذلك إن الثعابين تنقطع عن الأكل شهراً بأكمله ويكون ذلك فى الغالب إبان رقاد الحيات على البيض، وكذلك الدواجن تزهد فى الأكل ما دامت راقدة على بيضها. أما الكلاب فمع أن المعروف أنها تأكل اللحم والعظم ولا تبقى على شىء فلها فى الصيام شهرة ذائعة، فهى لا تصوم عن الطعام لحاجة الجسم إلى الراحة فقط، ولكنها قد تصوم لعوامل نفسية لا دخل لها بالجسم على الإطلاق، فإذا حزن الكلب الوفى على موت صاحبه انقطع عن الطعام والشراب أياماً، وقد يستمر فى صيامه ويضرب عن الأكل حتى يموت منتحراً ونوادر الكلاب فى الوفاء عجيبة غريبة.
فى حديقة الحيوانات بلندن ضب يزيد عمره على 100 سنة، وهو يصوم أربعة أشهر كل سنة يبدأها من أوائل نوفمبر بتقليل طعامه شيئاً فشيئاً، ويمتنع أحياناً عن بعض الوجبات، وفى أوائل ديسمبر يبدأ صومه الكبير فيستمر أربعة أشهر بدون أكل ولا شرب قطعياً لغاية أوائل أبريل.
تعليقات الفيسبوك