حلم الهجرة إلى نيوزيلندا، أرض الأحلام، والمراعى الخضراء والطبيعة الخلابة، المنطقة الوحيدة التى لا تحمل وكالات الأنباء أخباراً سلبية بشأنها، تَبدَّد فجأة بعد أن أصبحت مسرحاً للأحداث المؤسفة بإطلاق النار فى مسجدين، ووقوع ضحايا، من بينهم أطفال.
«كان عندى حلم أهاجر لنيوزيلندا، صورتى الذهنية عنها إنها بلد هادية، تعداد سكانها قليل، مزارع خضرا أكتر من بلوكات الأسمنت، مستوى معيشة مرتفع، بعيدة عن الصراعات والعنصرية ومشهورة بقبول الآخر، بدون هوس دينى من أى نوع»، هكذا ظل روبرت بطرس، المعالج النفسى الذى يدير أحد المراكز الخاصة فى القاهرة للاستشارات النفسية والزوجية، يمنِّى نفسه بوجود تلك الواحة الخضراء على وجه الكرة الأرضية، قبل أن يباغته الحادث الإرهابى بمسجدى كرايس تشيرش: «الحادث عمل لى مشكلتين، الأولى إنه هيؤدى للتشديد على شروط السفر والهجرة، والثانى إنه بالنسبة ليا مُعامل الأمان بيقلّ مع انتقال الصراعات للمناطق الهادية، ببساطة أدركت بعد الحادث إنه مفيش مكان بره الصراع».
معضلة لم تطارد هؤلاء الحالمين بالهجرة فقط، ولكن هؤلاء المقيمين داخل نيوزيلندا نفسها أيضاً: «آخر بلاد الدنيا وأجملها على الإطلاق»، هكذا يصفها الكاتب المصرى، والباحث شريف عمار، المقيم فى نيوزيلندا، والذى هاله عقب الحادث بشاعة التعليقات وما وصفه بـ«خطاب الكراهية» ضد النيوزيلنديين. عام ونصف هى مدة إقامة «عمار» وزوجته وابنتهما الصغيرة «ليلى» فى ثانى أكثر بلد آمِن فى العالم، بحسب مؤشر السلام العالمى: «عمر ما حد سألنى من ساعة ما وصلت عن دينى أو جنسيتى. الناس ودودة وبشوشة، حاولت أعبَّر عن ده بعد الحادث دفاعاً عن بلد طيب، لكن فوجئت بخطابات كراهية وغل وحقد غير طبيعية».
سكانها المهاجرون: حياتنا كانت هادئة.. والحالمون بالعيش فيها: نتوقع تشديد الإجراءات على السفر
22 عاماً، قضتها المهاجرة العراقية جنة عدنان عزت، بصحبة زوجها حازم العمرى وأبنائهما فى نيوزيلندا، لم تشعر يوماً بالتفرقة العنصرية، فاعتادت أن تمارس هوايتها فى إنتاج لوحات الخط العربى وإقامة المعارض لأعمالها، وفجأة تحولت من سيدة عادية إلى «أم الشهيد» تقول: «كانت عادتنا كل يوم جمعة أن يذهب حسين إلى صلاة الجمعة، ومن بعدها نتناول الغداء فى منزلى»، أثناء تحضيرها لطعام الغداء سمعت بالحادث، انقبض قلبها وسارعت إلى الاتصال بابنها، لكن دون رد.
ساعات طويلة وثقيلة زاد من وطأتها تلك الصورة المقبضة التى تحولت إليها كرايس تشيرش: «ذهبت إلى المسجد لكنى لم أحظَ بمعلومات، ومن بعدها للمستشفى فلم أجد اسمه بين الجرحى»، داخل قاعة كبرى وقرابة 200 من ذوى الضحايا كنا فى انتظار معلومة: «الموظفون قدموا لنا الطعام واهتموا بنا أثناء الانتظار، لكننا لم نكن فى حالة تسمح بأى شىء، حتى علمت أخيراً أن ولدى حسين من الشهداء». برغم الفقد ما زالت «جنة» تصف المكان بـ«الآمِن جداً والأمين»، وتقول: «22 عاماً قضيتها هنا لم أعانِ تفرقة عنصرية أو سوء معاملة».
تعليقات الفيسبوك