"حربية"، اسم اختاره لها أبيها حبًا في جيش بلاده، منحها هيبة وشهرة ساعدتها في مهنتها البسيطة كبائعة ورد، يخفي وراءه رحلة شقاء عمرها 52 عام لا تزال مستمرة حتى الآن تستكملها بمفردها بعد وفاة الزوج قبل 8 سنوات، كي تنفق على ولديها، فالأصغر من ذوي الاحتياجات الخاصة والأكبر تعرض لحادث أفقده حركة ذراعه وساقه الأيمن، يواصلان العلاج في فراشهم.
"أبوهم كان مريض وعلى قد حاله فضلت جنبه لحد ما مات في 22 أبريل 2010"، تحفظ تاريخ رحيله كاسمها وكذلك أبيها وأمها: "باخدلهم ورد زي الناس وأروحلهم من وقت للتاني".
زادت المسؤولية والمرض على السيدة الستينية، التي تعاني من ضعف بصرها وألم في معدتها، لكنها ظلت محتفظة بمهنة أبيها للإنفاق على أسرتها تقف في نفس المكان الذي كانت ترافقه فيه وهي ابنة الـ12 عام، تعمدت ألا تغيره حتى تظل ذكراه حاضرة في أذهان زبائنه، وسط وميدان السيدة عائشة تضع فروع الورد الملون على قفص من الجريد أمامها، تصنع بوكيه لزوار المقابر كل يوم جمعة بـ جنيهان ونصف: "مفيش صحة لشغلانة تانية، ودي أحسن من الخدمة في البيوت".
مقابل زهيد تحصل عليه السيدة العجوز في الأسبوع، تحكي أنها اعتادت على شراء ورد بـ100 جنيه تحصل منه على مكسب 20 إلى 40 جنيه، بجانب معاشها الشهري الذي لا يتعدى الـ320 جنيه، تحاول جاهدة تدبير معشتها به لكنها في كل مرة تفشل: "الأسعار غالية، والورد هو اللي رخيص ومبقاش في حد بيشتري"، تجلس باقي الأسبوع في البيت لرعاية أبنائها، تتذكر حين كانت تذهب للبساتين لتقطف الورد مع أبيها وتبيع الواحدة بمليم: "بس كنا بنبيع كتير والناس كانت بتجلنا بالاسم".
توزع الورد المتبقي منها بالمجان في نهاية اليوم على المارين، داعية أن يزرها الله بعمرة تزيح تعب السنوات السابقة: "نفسي أروح وأموت هناك".
تعليقات الفيسبوك